ماهي قصة الرجل الذي قتل 99 نفسا و كان يبحث عن التوبة والعظة منها؟
قصة الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفسًا هي واحدة من القصص التي تعكس عظمة رحمة الله وتقبله للتوبة من عباده مهما كانت ذنوبهم عظيمة. هذه القصة تروي لنا كيف أن الإنسان، مهما كان غارقًا في الذنوب والمعاصي، يمكنه أن يعود إلى الله بتوبة صادقة وأن يُغفر له. وتفاصيل هذه القصة كما وردت في الأحاديث الصحيحة هي كالتالي:
كان في زمن سابق رجل قد أسرف على نفسه بارتكاب الذنوب والموبقات، حتى بلغ به الأمر إلى قتل تسعة وتسعين نفسًا. ورغم كل تلك الجرائم، كان في قلبه بقية من خير ورغبة في التوبة. شعر الرجل بالندم وأراد أن يتوب إلى الله، فخرج من بيته باحثًا عن عالم يفتيه ويفتح له أبواب الرجاء والتوبة.
في البداية، سأل الرجل عن أعلم أهل الأرض، فدُلَّ على راهب. والراهب هو الشخص المعروف بكثرة العبادة وقلة العلم. ذهب الرجل إلى الراهب وأخبره بما كان منه، وسأله إن كان له من توبة بعد كل تلك الجرائم. الراهب، ولعدم معرفته العميقة، استعظم ذنب الرجل وقنَّطه من رحمة الله، وأخبره أن التوبة محجوبة عنه. كان هذا الجواب صادمًا للرجل، فازداد غيًّا إلى غيِّه، وقام بقتل الراهب ليكمل به المائة نفس.
رغم هذا الفعل الشنيع، لم يفقد الرجل الأمل. استمر في البحث عن عالم آخر يمكنه أن يعطيه فتوى صحيحة. سأل مرة أخرى عن أعلم أهل الأرض، فدُلَّ على رجل عالم. ذهب إليه وأخبره بقصته كاملة، وسأله إن كان له من توبة بعد قتل مائة نفس. العالم، بعلمه ورحمته، أجابه قائلاً: "نعم، ومن يحول بينك وبين التوبة؟"
أرشد العالم الرجل إلى أن يترك الأرض التي كان يعيش فيها، لأنها كانت أرض سوء، وأن يتوجه إلى أرض أخرى بها أناس يعبدون الله، لكي يعيش بينهم ويعبد الله معهم. نصحه بألا يرجع إلى أرضه القديمة، لأنها كانت سببًا في فساد حاله.
أخذ الرجل بنصيحة العالم وبدأ رحلته نحو الأرض الجديدة. في منتصف الطريق، أتاه الموت. وهنا بدأت الملائكة تتخاصم بشأنه. ملائكة الرحمة قالت: "جاء تائبًا مقبلًا بقلبه إلى الله." بينما قالت ملائكة العذاب: "إنه لم يعمل خيرًا قط." جاء ملك في صورة آدمي ليحكم بينهم، وأمرهم بأن يقيسوا ما بين الأرضين؛ الأرض التي جاء منها والأرض التي كان متوجهًا إليها. فأي الأرضين كان أقرب إليها، فهو منها.
فقاسوا ما بين الأرضين، ووجدوه أقرب إلى الأرض التي كان مهاجرًا إليها بشبر. وفي رواية أخرى، ذكر أن الله أمر الأرض التي كان متوجهًا إليها أن تقترب، والأرض التي جاء منها أن تتباعد، حتى تكون المسافة بينه وبين الأرض المقصودة أقصر. بناءً على ذلك، قبضته ملائكة الرحمة.
هذه القصة تحمل في طياتها العديد من العبر والدروس. أولًا، تُظهر لنا عظمة رحمة الله وسعة مغفرته، وأنه يقبل التوبة من عباده مهما كانت ذنوبهم عظيمة. ثانيًا، تُبرز أهمية العلم في الدين، وكيف أن العالم الحقيقي يستطيع أن يوجه الناس نحو الطريق الصحيح، بينما قد يؤدي الجهل إلى القنوط والضلال. ثالثًا، تُذكرنا بأن النية الصادقة والعزم على التوبة يمكن أن يكونا سببًا في قبول الله لتوبة عبده، حتى وإن لم يتمكن من إتمام عمله الصالح.
ختامًا، يجب أن نتذكر دائمًا أن باب التوبة مفتوح لكل من أراد العودة إلى الله بصدق وإخلاص، وأن الله غني عن تعذيب عباده، بل هو أرحم الراحمين، ويحب أن يتوب عليهم ويغفر لهم.